لنطلب من الله إيمانًا حقيقيًّا

لنطلب من الله إيمانًا حقيقيًّا

لياندر لاشانس:

 

"لنطلب من الله إيمانًا حقيقيًّا" 

بين ١٩٩٦ و٢٠٠٢، تلقى لياندر لاشانس (كندا) تعاليم جميلة جدّا من الرب، جُمعَت في مجموعته "من أجل سعادة خاصّتي ومختاريّ، يسوع" (ثلاث مجلدات متوفّرة في أوروبا من مكتبة إصدارات البارفي). ثم أرسل يسوع لياندر في "مهمة"، من خلال المؤتمرات والخلوات التي يشارك بها. إن لياندر محبوب جدًّا لا سيما من أجل بساطته وعذوبته وأسلوبه الواضح في تناول كل ما يتعلق بالله، وهو يجيب على أسئلتنا في سياق سنة الإيمان المميّزة.

نداء السماء: غالباً ما تتردد كلمة "إيمان" في المجلدات الثلاث من رسائل "من أجل سعادة خاصّتي ومختاري". يقول يسوع هذا: "يا بني، أعطني إيمانك القليل، وسأبدله بإيمان رسول ونبّي. إن الإيمان والحب لا ينفصلان. بتحولّكم إلى كائناتِ إيمان، تصبحون كائنات حب. وبتحولّكم إلى كائنات حب، تصبحون كائنات إيمان..."

لياندر لاشانس: يجب ألّا نتردد في الطلب من الله أن يساعدنا على التحلّي بإيمان حقيقي: على الرغم من الآلام والمحن التي نعيشها، نعلم أن الله يحبنا وأنه يؤمّن خير كل إنسان، ولكن يجب أن نثق به. لكي يكون لدينا إيمان لا يتزعزع، أظن أنه علينا أن نتأمّل بالأخص في أنه عندما اعتقد مضطهدو يسوع أنهم تخلّصوا منه لأنه كان في القبر، كانت في الحقيقة حياة جديدة تبدأ. فنحن نرى إذًا بوضوح أنه على إيماننا أن يكون كاملًا، على الرغم من المحن التي نمر بها.

 نداء السماء: كما قال لكم يسوع: "عندما يبدو لك أن لا شيء يتقدم، هي هذه اللحظة التي فيها أنجز الكثير. وإذا أردت استخدامك، فإنه فقط لكي ينمو إيمانك." وهذا يبين لنا أن إيماننا يتقوّى في التجارب…

لياندر لاشانس: لقد علّمتني الخبرة الأمر التالي: عندما نعيش حالة صعبة، نريد أن نرى الأمور تتغير في بيئتنا الخارجية. ولكن ما يحدث هو أن لا شيء يتغير. يجب أن ندرك إذًا أننا نحن أيضًا بحاجة إلى أن نتغير من الداخل. وبقدر ما نقبل أن يغيّرنا الله وأن نثابر في الثقة، سنلاحظ تغيّرات في ذواتنا وسوف ندرك أننا لم نعد ننظر إلى الأحداث بالطريقة نفسها. فبدلًا من فهمها بنظرة إنسانية تمامًا، سننظر إليها بنظرة الإيمان. وعندما نقبل أن ننظر إلى كل بيئتنا بعيون الإيمان، نرى أن أمورًا كثيرة تتغير.

عندما يسمح الله لإيماننا بأن ينمو خلال المحن، نصبح أيضًا شهودًا على عمله. أتلقى الكثير من الشهادات بهذا الخصوص من قبل أشخاص قابلتهم منذ سنوات عدة وما زلت أراهم حتى اليوم. كل هذه التحولات التي عاشها الناس في الواقع تجعلني أقول أنني لا أملك خيار أن أصدّق أو لا أصدّق: فهذا أمر يُفرَض عليّ، إنها مسألة واقع ملموس. كلما قبلنا أن يستخدمنا الله، ازداد إيماننا، وبناءً على المقطع الذي قد ذكرناه، كلما ازداد إيماننا، ازداد حبنا، لأن الإيمان والحب لا ينفصلان. لا يمكننا أن نصبح كائن حب إذا لم نكن كائن إيمان والعكس صحيح. عندما ينمو إيماننا وحبنا، نكتشف سعادة جديدة وسلام جديد.

نداء السماء: في رسالة أخرى، نلاحظ هذه الجملة: "لا تخف، استمر في التقدم في الإيمان النقي." فكيف نفسّر بشكل ملموس ما هو الإيمان النقي؟

لياندر لاشانس: أظن أن هذا يكمن في السماح للنفس أن تُرشد من الله، دون المعرفة إلى أين يقودها (راجع إبراهيم وموسى). أشخاص كثيرون يأتون إلي ويطلبون مني نصائح لأنهم يريدون أن يعرفوا إلى أين يذهبون. ولطالما أردت أنا أيضًا أن أعرف ذلك، في البداية. أمضيت حياتي المهنية في عالم الأعمال، حيث اعتدت على وضع برامج عمل وتوقعات. لكن يجب علينا أن نثق بالله ونقبل أن ندع أنفسنا تُرشد. لنتأمل في كلمته: "إن كنتم لا تتغيّرون وتصيرون مثل الأطفال، فلن تدخلوا ملكوت السماوات".في الواقع، نحن لسنا بحاجة إلى أن نعرف إلى أين نحن نذهب، إنما فقط بحاجة إلى أن نعرف من يقودنا: وهو الله.

في اليوم الذي فيه نعطي موافقتنا الكاملة لله، والذي فيه نودع حياتنا بين يديه بالكامل، نعرف إذًا أنه يقود حياتنا ولن نشعر بالحاجة إلى الرغبة في المعرفة.

نداء السماء: إن شهادة إيماننا مهمة لتثير ارتداد أقاربنا. يقول لكم يسوع: "إذا لم تكن كائن إيمان، فكيف يمكنك أن تثير الإيمان عند الآخرين؟"

لياندر لاشانس: لا يمكننا إعطاء ما لا نملكه. فبقدر ما نعيش حقيقةً بإيمان وحب، يمكننا أن ننقل ذلك للآخرين. أتذكر أيضًا مقولةً قديمة وهي: أفعال الناس تتكلم بصوت أعلى من كلماتهم. لا يمكننا أن نصبح كائن إيمان إذا لم ندع الله يعمل فينا. ليس المهم أن نرغب في معرفة أين نحن على طريق الإيمان والحب، بل المهم أن نتأكد من أننا حقًّا على هذا الطريق.

نداء السماء: يعطيكم يسوع هذا التعليم أيضًا: "إذا لاحظت أنه كان لديك سلوك إنسان إيمان، عليك أن تشكر اﻵب وتسبحه من أجل معروفه الكبير تجاهك بجعلك شاهدًا على عمله من خلالك. وإذا لاحظت أنه كان لديك سلوكًا مخالفًا لسلوك إنسان إيمان وشبيهًا بسلوك العالم، أسرع في إعطائه إلى رحمة الآب. وحسب أهمية أو خطورة هذا التصرف، سوف تحمله إلى سر المصالحة، حتى يُغفر لك كلّيًّا ويجري فيك التغيّر الكامل لكيانك لتصبح ذاك الكائن المملوء حبًّا وطيبةً ورحمةً، والذي يدع حب الآب يمر من خلاله بحرية." ألا نميل في الكثير من الأحيان إلى التصرف كإنسان من العالم بدلاً من إنسان إيمان؟

لياندر لاشانس: إن التصرف كإنسان إيمان يكمن في التصرّف وفقاً لكلام الله وتعاليم الكنيسة لنشر السعادة والحب والسلام من حولنا.
إن التصرف كإنسان من العالم يعني أن نسمح لمزاجنا أن يتحكم بنا، وأن ندع أنفسنا تتأثر بآرائنا الشخصية وتيارات فكر العالم المختلفة. أعتقد أن يسوع يريد أيضًا أن يدعونا من خلال تعاليمه إلى أكبر قدر من التواضع. لأننا جميعًا هشّون جدًّا في مواجهة الكبرياء، حتى مع رحلة طويلة في الإيمان، لأن الكبرياء الأكثر خطورة هو ذات طابع روحي. لهذا السبب، يطلب منا يسوع أن نقدم الشكر عندما نتصرف كإنسان إيمان، لأنه ليس عملنا، بل عمله. وحتى عندما ندرك أنه قد تصرفنا كإنسان من العالم، يجب أن نكون متواضعين: بدلاً من إلقاء اللوم على ذواتنا إلى الأبد، لنعترف بضعفنا، لنحمله إلى كرسي الاعتراف ولنبدأ بالتقدم من جديد. وهكذا، سنبقى في حرية وقداسة أبناء الله.

نداء السماء: كثيرًا ما نسمع اليوم أن الناس يريدون أن "يروا ليؤمنوا". بل على العكس، إذا كنا نثق بقدرة حب الله الكلية بدلاً من الثقة بقدرة الإنسان، علينا أن نؤمن لكي نستطيع أن نرى…

لياندر لاشانس: إنه الفرق الكبير بين مجتمعي القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين، الذي يتجه نحو حضارة الحب. لقد تم بناء مجتمع القرن العشرين حول المعرفة والثروة والسلطة، بينما في حضارة الحب، إن الكائن هو الجوهر: أي نوع من الكائنات أنا؟ يميل العالم إلى تقدير ما يفعله الكائن بدلًا ممن هو. وهذا مترسخ فينا لدرجة أننا دائمًا نسأل الآخر ماذا يفعل، ولكن لا نسأله من هو. إن الأشخاص الذين يعطون موافقتهم لله والذين يقبلون بهذا أن يصبحوا كائنات حب هم على قيد بناء حضارة الحب الجديدة.

image